من ربيع العرب و خريف الإخوان إلى شتاء داعش

كان كثير من الناس في بداية القرن العشرين يعتقدون صادقين أن الاستعمار هو ابتلاء من الله تعالى وأن الصبر على البلاء سيجلب لهم الدخول إلى الجنة حسبما قال لهم شيوخ ذلك العصر. وكان قلة من الناس (النخبة الوطنية) يحاولون نشر فكرة كانت غريبة في ذلك الوقت وهي أن الاستعمار حالة بشرية يمكن التخلص منها بواسطة الوعي السياسي والإعداد للكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال الوطني وبناء دولة مستقلة. بعد نصف قرن من العمل الوطني نجحت الشعوب في تأسيس دول وطنية استولت عليها قوى اجتماعية تحالفت مع الأجنبي لفرض سيطرتها وأفسدت الاستقلال والدولة والثقافة السياسية معا. وعادت المنطقة إلى ما قبل الدولة الوطنية: قبائل وطوائف وفساد سياسي وأخلاقي وتصحر ثقافي.
هاهم شيوخ هذا العصر يروجون لفكرة تبدو منتصرة الآن وهي أن هناك دولة مؤمنة يدخل أهلها الجنة ودولة كافرة يدخل أهلها النار. وكلاهما لا تقوم على الوعي والتنظيم ولا العمل ولكن على المعتقد والشكل. هذه الفكرة الرائجة في بداية القرن الحادي والعشرين قد تتطلب وقتا أطول وجهدا أكبر مما تطلبته فكرة أن الاستعمار ابتلاء من الله وأن الصبر على البلاء مفتاح الجنة. هذه الفكرة الغريبة عن المنطقة هي وليدة وجود الصهيونية وعامل أساسي في تحويل المنطقة إلى ساحة للصراعات السابقة للدولة الوطنية: أي الصراعات الطائفية والمذهبية والقبلية والجهوية. ونتيجة ذلك هو إضفاء الشرعية على وجود الكيان الصهيوني وتبرير التدخل الأجنبي. والدليل أن الناس كانوا في بداية “الربيع العربي” يطالبون “الغرب” بالتدخل لإزالة “الأنظمة الغاشمة” وبعد فوات الربيع وحلول “الخريف الإخواني ” ثم مجيء “الشتاء الإسلامي” هاهم يطالبون بتدخل “الغرب” والأنظمة معا لإزالة “داعش”. المشروع الذي لم يكتمل باسم “الربيع” ها هو ينجح في باسم محاربة “داعش”. ليس هناك ما هو أوضح مما يجري لمن لهم عيون يبصرون بها وبصائر يتفكرون بها وعقول يدركون بها. أما من اسلموا ضمائرهم للمال الفاسد وقيادتهم للمنحرفين الذين يوظفون الدين لإفساد حياة الناس فلا أمل يرجى منهم. مازالوا يرغمون الناس على التفكير في”الربيع العربي” وزقزقة عصافيره الدامية والعالم يخطط لاقتسام المنطقة والعرب على مشارف الانقراض في حرب أعادت المنطقة على ما قبل البعثة المحمدية التي أعطت الأمان للنصرانيين وللعابدين من كل معتقد.
من صنع داعش هو من سوق ل “الربيع العربي” القادم على دبابات الحلف الأطلسي وراجمات المارينز. أما ما يقوم به شيوخ الفتنة وفاتنات الإعلام الترفيهي المأجور فنتيجته واضحة: سيمر نصف قرن قبل أن يدرك العرب ما يجري لأوطانهم.