عمار مرياش – شهادة بخصوص الإقامات

 

أعترف أنني دخلت جو الكتابة المشتركة لحظة وصولي الى مطار هواري بومدين عندما سد أحدهم طريق الخروج أمام سيارة بوزيد حرزالله الذي كان في انتظاري وأوقف سيارته وتركها قاطعا الطريق تحت شمس حارقة ،قصدت الشرطة ، رجوتها فلم تفعل شيئا و وأفهموني أن لا قوة لهم ، وقصدت استعلامات المطار فأذاعوا في مكبر الصوت رقم السيارة وطلبوا من صاحبها بأدب أن يزيح سيارته من الطريق ، هكذا أجدني مندمجا منذ اللحظة الأولى وبلا رغبة مني في عمق العمل بالمشاركة ،، ولن اتحدث هنا طبعا عن مشاركتي لبوزيد في جزء من تحضير الأقامات ليصل الشعراء في جو جيد وليكتبوا في جو ممتع فهذه قصة طويلة سأخصص لها فصلا من مذكراتي عندما اقرر الكتابة عن كيف كان يشتغل بوزيد وكيف كان يشتغل الطاهر وطار والقليل جدا من الأدباء الناطقون بالعربية في وضع مقرف للغاية بمهنية عالية وتفان مذهل وبإمكانياتهم الخاصة أحيانا كثيرة ، مقاومين ومتحدين آلة البيروقراطية الرهيبة التي جرت وتجر الجزائر الى ما وصلت اليه، لقد تم التحضير جيدا رغم كل شيئ وانطلقنا الى عنابة.

كان بإمكاني أن أتفق مع شريكي في النص جمال بن عمار على بحر وقافية وموضوع وغرض ونسارع الى نسج القصيد المشترك دون عناء مثلما يفعل الشعراء العموديون وهم ينفخون صدورهم ويتشدقون بمعاعلتن مفاعلين فعول، لما لا ، كل شيئ جاهز ، السياق اللحن والفكرة ،وكان بإمكاننا أيضا أن نتصرف كشعراء القصيدة النثرية الحديثة جدا بحيث يقبع كل واحدا منا في ركن مظلم ، مع نصف كأس ونصف سيجارة مفبركة بنصف اتقان واضعا نصف قدمه على نصف الطاولة المهترأة ونكتب ،، نتبادل الرموز والكلمات الغامقة في الغموض ،، لكن لا ،، أنا شاعر حر واع وواضح ، أهندس حياتي ، سلوكاتي وكتاباتي بالشكل الذى آراه لائقا بي ، ولن يكون شاقا علي أن أجد قواعد للرسم المشترك وللغناء مع شريكي هذا الفنان الطيب الرقيق ،، وبعد ساعات من البقاء معا وبعض النقاش والمفاوضات إنطلق العمل وبدأنا الكتابة

لا أريد هنا أن اشرح بالتفصيل كيف توصلنا الى كتابة نص مشترك ولكنني في الوقت ذلت لا أحب أن أخفي شيئا يتوق القارئ الكريم الى معرفته ، مالعمل ؟ ، هناك دائما اسرار ينبغي الإحتفاظ بها في نفس الوقت الذي ينبغي فيه إفشاؤها ،، نعم ،، وبعد ، ماذا يا عمار مرياش ؟ هههه ؟ الحق أنني كنت على إطلاع ببعض تجربة جمال بن عمار ، شكرا محرك البحث جوجل، فمن العبث الذهاب الى المعركة بدون سلاح ، أعرف أن الصورة غير لائقة على الإطلاق ولكن توفي بالغرض ، بينما كان شريكي يعرف تجربتي جيدا ، خاصة تجربة إكتشاف العادي التي يعرفها الكثيرون هنا أيضا في عنابة وقد سررت لهذا أيما سرور ، لقد سهلت المعرفة السابقة المتبادلة هذا التجاوب فيما بيننا، وكتبنا.

لقد فعلت كل شيئ خلال عمليتي الميكساج والمونتاج للنص المشترك بالتعاون مع شريكي بحيث يتعذر على القارئ تمييز كلماتي ، مقاطعي وصوري من كلمات ، مقاطع وصور شريكي في النص ، ينبغي أن يكون النص النهائي نصا واحدا لا نصين إثنين ، حتى وإن لم يكن -بحكم التفاوض- في المستوى الذي يرضيني أدبيا تماما ، هكذا قررت ودافعت عن فكرة وحدة النص هذه في اللقاءات التي سبقت الإقامات ، فحين نقبل دخول لعبة ما ينبغي أن نلعب بجدية عالية ، جدية المحترفين ، حتى لو تعلق الأمر بالتنازل عن بعض الهوية الأدبية ، بعض البصمة ، بعض الروح ،،،، هل تنازلت فعلا ؟ لقد خيل الي ذلك ، كل ما في الأمر أنني وفقت على نفس المسافة من البياض الجاهز للملء مع جمال بن عمار ومن زاوية أخرى وألقيت بروحي

متعة لا نهائية هي لحظة الإنفصال هذه، لحظة الخروج من الأنا ، من الجسد ، من الهوية ، من كل ما يشكل ارتباطنا الثقيل بالجسد ، بالمكان ، بالفكرة ، بالحالة ، لقد عشت هذه المتعة من قبل، لحظة أفرغت الممرضة حقنة المورفين في ذراعي ، لحظة الإنفصال عن، هذه ، رائعة وممتعة للغاية ، لم أكن متأكدا ساعتها أنني سأعود الى هذا العالم ولكنني كنت سعيدا ، كانت ثقتي في الجراح ثقتي في الله ، لا نهائية ،، شكرا للفراغ الذي منحني هذا الإيمان الأعمى ،،، التجربة ذاتها سأعيشها ،، متعة الإنفصال ، متعة إنفصالي عني ،، سأعيشها في ذات الوقت على مستوى آخر عندما أكتشف بالصدفة أنني كما يقول العندايب : من رأسي حتى قدمي ،، إنني أحس الحياة بعمق الآن ، أتنفس هواءا جديدا ، وأدرك أن الحلزون الذي لا يستطيع الإنفصال عن قوقعته لن يري العالم الا من خلالها، شكرا جمال بن عمار على التواطئ الجميل معي ، شكرا بوزيد حرز الله على دعوتي الى هذه الإقامات.

عمار مرياش ، بااريس 25 أوت 2015