امال رقايق ـ البزة الهاربة من بزة الجنرال
تهشيم المركز: شعرية الهوامش في تجربة آمال رقايق

تحطيم المركز واعلاء الهامش

نحا النزوع التجريبي والتمرد على القوالب الجاهزة بالشعراء المعاصرين، منحى تصاعديا، فلم تكتف الحساسية الشعرية الجديدة، بالثورة على القوالب الشكلية، وعلى نظام القصيدة القديمة، بل أعلنت عداءها لكل مركزية، مؤكدة انتماءها للمهمل والهامشي، وجاءت هذه الموجة كرد فعل على القداسة التي اكتستها القصيدة العربية في أشكالها، قبل أن تتحطم أمام مد النصوص النثرية التي لا جنس لها.
ومثل حضور الهامشي ملمحا بارزا لدى الكثير من الشعراء، وقد تلبس النصوص بشكل شعري جمالي، لم يسقط في الشعارات، إذ أخذ شكل تيمات، تقوم على فلسفة الهامشي محاولة تحطيم السلطة الذكورية تارة، وتارة في شكل إعلان عن الانتماء إلى الهامشي كما هو في نصوص آمال رقايق التي تضمنتها مجموعتها الشعرية  » الزر الهارب من بزة الجنرال الصادرة عن دار نقطة.

بيان الانتماء : قداسة الهامش

يتجلى الهامشي بشكل واضح في نصوص الشاعرة الجزائرية آمال رقايق، اذ يصبح مركزا، يعلن عن ذاته بداء من عتبة العنوان » الزر الهارب من بزة الجنرال »، إذ يمثل العنوان أولى العتبات التي تشي بالهروب والفرار من كل سلطة أو مركز، فالعنوان يضمر، فيما يحذفه أننا بصدد الاطلاع على حكاية الزر الذي هرب من بزة الجنرال.
ويحيل الزر إلى الشيء الهامشي، وعلى هامشيته الا أنه يرفض البقاء في بزة الجنرال المدججة بالنياشين، وما يؤكد هذا الفرضية هو ما يطالعنا به الإهداء التالي الذي جاء في الصفحة الأولى:

 » للأكورديون المهمل
للبحيرة
لابريل للمثلث المحرج بزاويته القائمة
لحلم طائش يرتعش في صندوق البريد »

ففي عتبة الإهداء يتضح هذا النفور من المركزيات، فالإهداء يعلن تضامنه مع آلة الأكورديون التي لا يستعملها أحد، ومع البحيرة نكاية في البحر، ومع شهر افريل ذي السمعة السيئة، ومع الأحلام الطائشة، التي ترتعش في صندوق البريد، دون أن يربت عليها أحد.
ويقدم لنا النص الذي حمل عنون « Cv وما أهمل كلاوديو بوتساني » سيرة شعرية للشاعرة، ولما تنتصر إليه من أشياء الهامش حين تصرخ

« أنا شلال موقوف
انا مرج قاحل يحلم بقطرة ندى تؤنس
عشبته الوحيدة
أنا زقاق بين غيمتين جائعتين
قريصات متسخة في مقلمة الراسب

وهي ايضا في بقية النص لا تخرج عما اختارته من وقوف في صف المنبوذين فهي الدم الصاعد لوجه المراهق، والثقب في جورب المحتال والقريصات المتسخة في مقلبة الراسب وهي :

الثقب في جورب المحتال، الدم الذي يهبط مع الجنين، جبل مقلوب تؤلمه قمته، انا التلميذ الذي يكره المربية، الضيف الذي يبزغ في يوم، عائلي مدقع، والعاشقان المنهكان في يوم قائض البدوي المحرج أما نادل مثقف، انا ركلة الجزاء المصيرية ، انا مأزق الخادمة
الخاتم الرديء في يد اربيعنية شبقة !

بل هي ايضا :

« مدينة نائمة في خط زلزالي، الوريث المعاق ذهنيا ، شجرة البرتقال العقيمة في بستان النخيل أنا نصف دينار جزائريالجرة الفاخرة التي بلا ذراع، السن الاصلي الوحيد في طقم السبعينية، الطرق القوي على باب مغلق خلفجسدين ملتحمين، الكنز المخبأ تحت بيت الفقيرانا غراب في سرب حمام، الصوت الناشز في معزوفة رسمية، حارس المدرسة المصاب بالزهايمر، والأخت التي ترفض التوقيع على ورقة البيع، انا الضبية المغرمة بذئب، الجنازة في يوم عاصفة، النجم الذي تنكرت له الجماهير »

رغم اتصافها بالأشياء الهامشية إلاأنها تشع بالاختلاف والتمايز، ورغم ما يبدومن تواضع أو ما يوهم بالتواضع في هذه اللواحات،إلا ان تصديرها بالأنا، يجعلنا نرتابفي التذمر من سوء الحظ، إلاأن الأمرأعمق مما يبدو عليه هذا النص.
وهوما تؤكده نصوص أخرى حيث نجد في ثاني نصوص هذه المجموعة(التي تصدرها إهداء ينتصر للهامش ثم سيرة هامشية) يطالعنا نص بعنوان ّ »اريتيريا »وهذا التقديم والبداية ضمن توزيع النصوص يحمل دلالة الانتصار للهامشي والنزوع اليها لدى آمال ، وهو ما يجعلها تركز على الهامشي والمهمل لجعله مركزا لجملتها الشعرية.
فضمن ثلاثة عشر مقطعا شعريا تحضر « ارتيريا » في صورة مدينة مقدسة بغديرها الغضوأطفالها الغامقين رغم شحوب « مدنفرا »:
فهي تستهل نصها بمخاطبة ارتيريا :

«ارتيريا
اصدميني بالغدير الغض
وعلقينيمع شحوب مدنفرا
في صميم السحب ،
انحتيني مئذنة وصليبا
في جبين اللهب ..

وإذا كانت هذه الإحالات السابقة في مجموعة أمال رقايق تحيل إلى الهامش وتحتفي به، بشكل واضح، فإن هذا النزوع يتضح أكثر في نص ببساطة الحب ووعورة القلب  » الذي يمثل بيانا في الانتصار للهامشي بدون مواربة أو تخفٍّ، فهو اعلان حب ينفتح على عوالم رقايق الشعرية التي تنفر من المركزيات المنتفخة بلا طائل، وتعلن ولاءها لكل ما هو بسيط ومهمل ولا قيمة له:

«أحب الدودة المتعثرة في تربة مبللة
والزهرة العالقة على حافة عالية
والشجرة الهرمة المنسية في عمق الغابة ..أحب الطفل الذي يسأل: لماذا لا يحبني أحد؟

كما انها تحب « والرجل المهمل والمرأة التي تنتظر بشعرات بيضاء حبيبا اسمر أو ابيض أو غير مرئي..، و »الحشرة العالقة بين عشبتين، والديمة التائهة والنجمة التي نراها » و »الجرم اليتيم وحبة القمح التي تحت الثلاجة.. » وحتى « الجرو الذي يحلم بكيس قمامة والهرة الانانية مكسورة الساق..
ويمتد شغفها بالاشياء التي لا قيمة لها ليدفعها لتعلن :

« أحب الكتب التي لم يقرأها الا صاحبها والفنان الذي ترفضه المسارح
والغبي الذي لا يستطيع أن ينجو من المدرسة..
أحب القبيح الذي يعشق فاتنة الشارع الخلفي
والفقمة التي سيأكلها الدب بعد لحظات..
أحب السمكة التي تدخل تلقائيا في جوف الحوت
والفراشة التي مسح جناحاها بأصابع طفل فضولي
أحب الرجل الذي لا يملك الجرأة ليعبر عن أسفه
والهرمين الذين لا فرصة لهم لتصحيح مسودات
حياتهم
أحب وأحب..وأحب»

إن هذا البيان الذي يلعن تعاطفه مع الكائنات المهمشة يمثل الخط العام الذي تنحو اليه فلسفة الهامشي التي تعلي من قيمة الاشياء المهملة لتجعلها في صدارة الاهتمام، نكاية في كل مركزية.
وتستمر نصوص هذه المجموعة في الاحتفاء بالمهمل والمنبوذ مراهنة على الساقطات والبضائع الرخيصة وحتى الأوبئة، موجهة صرختها، وهي تخرج لسانها سخرية في وجه العالم

«أراهن على الساقطات بعد الآن
كما كنت افعل أيام زهوي الأولى
أراهن على أحجار الماء
على البضاعة الرخيصة
الأوبئة أيضا لها في حقيبة يدي متسع وصديق»

هوامش:

1. أمال رقايق، الزر الهارب من بزة الجنرال، دار نقطة للنشر والتوزيع،الجزائر،2015، ص 5
2. آمال رقايق،الزر الهارب من بزة الجنرال، ص8/9/10.
3. امال رقايق، الزر الهارب من بزة الجنرال، ص 12.
4. المصدر نفسه، ص17
5. ص 19.
6. امال رقايق، الزر الهارب من بزة الجنرال، ص26/27
7. المرجع نفسه،ص33
8. ص 37
9. ص43
10. ص44
11. أمال رقايق، الزر الهارب..ص51