fatima brihoum
بقايا متملقي فرنسا الاستعماريّة : ياسمينة بريهوم

   كانت أقسى شتيمة يمكن أن نلحقها ونحن أطفال بأحد هي نعته بـ « قوّاد فرنسا »، مع أنّني كبرت بعيدا عن السنوات الأولى للاستقلال. لكنّ تأثير بشاعة الترهيب  الاستعماريّ مازالت متمكّنة ممّن يحيطون بنا من الكبار الذين شهدوا إهانة وإذلال عنف الآلة الاستعماريّة التي ينكرها بعض الجزائريين!

 بعد هذه المقدمة أعتذرلمن يقرأ هذه الكلمات فمسبة « قوّاد » في قسنطينة، ومدن الشرق الجزائريّ ليست بذاءة، وقد تساءلت طويلا عن سرّ اِستعمالها دون حرج حتى داخل العائلة عندما يتأفّف بعض الجزائريين من ذلك مستغربين منّا التلفّظ بها! إلى أن عرفت مصدرها الذي ارتبط بمن يشي بالثوار إلى الادارة الاستعمارية؛ فمع الوقت ذهب التشبيه بمن يقدّم نساء لرجال بمقابل وبقيت المعرة وهي الوشاية، أو التذلل لمن يشعر أحدهم أنّه ملزم تجاهه بالتبرير أو التوضيح..

وما أكثر هؤلاء، الذين لا يفرّقون بين فرنسا الثقافة والمبادئ الإنسانيّة التي لا عقدة لنا في الأخذ عن مفكريها ومبدعيها ودعاة الإنسانية والمحبة فيها ممّن رفضوا استعباد فرنسا للأمة الجزائريّة واستنكروا البشاعات التي مارسها الجيش الفرنسيّ على الجزائريين لإخضاعهم، ومحاولة إبعادهم عن المطالبة بهويّتهم واستقلالهم.

هؤلاء(… )الذين يخلطون بين المفاهيم الإنسانيّة، فلايفرّقون بين شعب اضطرّ إلى استعمال القوة لاسترداد ما أُنكر عليه من حقوقه، وبين شرذمة من المجرمين يبيحون دماء الإنسانيّة بهدف إرهاب الأبرياء في كلّ الأرض.

بشيء من المسافة والموضوعيّة نحو تاريخنا،كثيرا مانجد لمن اِنحاز ضدّ قضية شعبه وقتها  عذر الجهل والضعف، والخوف، خوف عاش فيه شعب قرنا وأكثر حتى ليصدق فيه قول ألبير كامو في كتابه « رسائل إلى صديق ألمانيّ »: « إنّ العقل يموت عندما توجد القوة الكافيه لمحقه ». أمّا هؤلاء الذين   في سبيل أن يبرهنوا للعالم عن إنسانيتهم، فلا عذر لهم وهم يستعملون حقهم في التعّبير لإيذاية ملايين الجزائريين الذين لا يوجد منهم من قريب أو بعيد ممّن لم يتألم لليوم من عنف الحرب التي شنّتها فرنسا الأستعمارية على شعب لأنّه طالب بحقه في الوجود والاستقلال.

فيبدو أنّ مشاعرهم الإنسانيّة لا تتعلّق إلاّ برضى الغربيين، نؤمن بذلك ونحن نراها تتلاشى، وترتكس وتتجزّأ، إذا تعلّق الأمر بشعب ينتمون إليه ولو أخلاقيا، فمن حقهم أن يختاروا انتماءات أخرى لاحق لنا من باب الأخلاق، واحترام الاختلاف محاسبتهم عليها، إنّما من حقّنا المطالبة باحترام إيماننا بنساء ورجال وهبوا أرواحهم، في سبيل أن يمنحونا الحرية التي  لن يشكّكنا فيها(…).

فالحريّة  كما تعلّمناها من أبطالنا الذين لن نشك في ما قدّموه وآمنوا به أخلاق لا تتجزّأ، والإنسانيّة التي علّمونا إيّاها  لا تنصر شعبا ضدّ شعب، ولا مبدأ على حساب مبدأ. والحرية التي أرغمت « حسيبة بن بو علي » ، و »جميلة بوحيرد » لاستعمال المتفجرات هي الحريّة نفسها  التي علّمتنا  اليوم أن نرفض الظلم، والترويع الذي يتعرّض له الشعب الفرنسيّ، وشعوب أخرى  لم تتأثّرلها  إنسانية    هؤلاء إيمانا منّا بحق الإنسان – أيّ إنسان- في الحياة الكريمة!

فـ.ياسمينة بريهوم