أسرها في نفسه، وبكى : عبد الرحيم إويري

كنتُ
وإخوتي غداة الذئب يوم تفرّقوا
تفرّقتُ
وفتشتُ في جُبٍّ عن صِبايَ:
لمحتُ سوايَ
مرايا كم تكسّرتُ
مرايا
كنتُ،
دفيفَ الطير
شعلة النار
من قبسٍ رُؤايَ
ومن لهبٍ أنايَ
حتى ما استطابت ليَ أرضٌ
وما وسعت رحلتي لغةٌ أو حكايا
وكنت،
في الجُبِّ أنا والذئب يندبُ حظّهُ
ويلومُ طفلا يُشبهني،
[ مَا كانَ حَديثاً يُفْتَرَى ]
ولكنهُ الصدقُ.
يا ذئبُ: لو كنتُ مكانكَ لكنتُ أنقى. أما في الفلاة سواكَ كي تزرَ وِزر الحكايةِ. أسرّها في نفسهِ، وبكى.
يا صاحبي، لو تدري، كلانا مُقَيَّدٌ إلى نفسه في البئرِ، فلا تُلقي عليَّ الوصايا
وكنتُ، لي إخوةٌ لهم مني سلامٌ وألفُ محبّةٍ
ولهُم قلبي إذا رغبوا
لا يُباعُ لي مناديل الشوقِ
وألفُ ريحٍ تُذاعُ.
لي ولكَ يا خِلُّ سُبَّةُ البئرِ، وهذا المدى
يرمي الغريبَ بالغريبْ ولنا الدرب ينأى وهو القريبْ
[ وَمَا أَكْثَرَ الإخْوَانَ حينَ تَعُدُّهُـمْ وَلَكِنَّهُمْ..] ولكنني
ألامسُ الغيم
وأُحصي النائبات إذا مال القلبُ على جرح ٍ
تسللتُ إليّ
تقاتلتُ فيّ،
فلا أنهزمُ
ولا أنتصرُ ولا أحيا
ولا أموتُ
ولا أنا أنا
ولا أنا سوايَ..
وكنتُ، حين مات أبي
عمَّ الجفاف سبع سنين
واحترقت أشجار اللوزِ
في بلدي. كان فارعاً
مثلي تماما أُشْبِههُ
ورثتُ وجهه
وصوته الخفيض؛
لا ندى للصوتِ فينا معا، ولا مشيَ إلا الخفيف الخفيفَ في الأرضِ
كنتُ وحيدا
على حافة البئر
أحبو
حديث الخطى والّلغوِ
حين شدَّ يدي،
وغاب
كدتُ أكبرُ
لولا قلبي
خانني في الظل
وذاب
كنتُ صغيراً حين لمحتهُ كنتُ البحيرة تمشي خلفهُ
وكنتُ أراه
في جُبّة الصوفي
في عُكاز الأعمى
في الحصى يورقُ في خطو الحجيجِ
في الطريق إلى الله. وأراه
في هذا الدرب الذي لا أراه
يا اَللللللللللللهْ
كم تعبتُ بلا أبٍ يا أبتي،
وهذي البلاد راوغَت يُتمي
أربعينا:
كنتُ،
عشراً أتبعهُ. ألعبُ و أرتعُ
وعشراً ألتمسُ الدرب وأجزعُ
وعشراً أسافرُ أضيعُ أضيِّعُ
وخمساً أعشقُ أفقدُ أتوجّعُ
وخمساً أستكينُ وأرجعُ أفترشُ المقعد الوثير حيناً وأرقبُ
أتطلّعُ
وكنتُ،
دخلتُ بلادا أعرفها
ملِكاً ملِكا
وسجناً سجنا
وأغرقُ فيها
[ وَاسْأَلِ اْلقَرْيَةَ التِي كُنّا فيِهَا وَالعِيرَ التِي..]
يا أبتي،
هذي بلادٌ كنتَ لي فيها قمراً
وكنتَ الدليلَ
إذا مال القلبُ على جرحٍ ملتُ قليلا
فلا توقظوا صبيّاً في الحكايةِ، ولا توقظوني
إذا غفوتُ بقُربي ملِكاً
أو قتيلا..

عبد الرحيم إويري