مزاج مراهقة لفضيلة الفاروق
تعد « فضيلة الفاروق » احدى الروائيات الجزائريات المتميزات من خلال اشتغالها على نصوصها « تاء الخجل » ،و « اكتشاف الشهوة » ،وأقاليم الخوف، و » مزاج مراهقة » يتميز أسلوبها بشاعريته و تماسكه.ففي رواياتها طغيان أنثوي يبدو واضحا من خلال أبطالها ولغتها التي تفيض جرأة ، كل مرة ترسم ملامح المجتمع الشرقي والمرأة المقموعة والرجل السيد المستبد ، هي كاتبة متمردة ترفض جمود الحياة وترفض خضوع المرأة لنصفها الآخر خضوعا يخرجها من كينونتها .
لقد عالجت « فضيلة الفاروق » في رواية « مزاج مراهقة » الواقع الجزائري المعيش بكثير من النضج بمسحة جمالية ،وأول ما يجذبنا إلى هذه الرواية عنوانها المغري الذي يلقي بظلاله على أحداثها.
تمثل الرواية حياة فتاة متمردة تدعى « لويزا » تعمل كي تصنع حاضرها ومستقبلها بقوة شخصيتها غير أنها تتمزق بين أشكال من الحب ، حب ابن العم التقليدي والفاشل ،وحب « يوسف عبد المجيد الجيل » القديم الذي عرف الاستقلال والتعريب ،وحب ابنه « توفيق » الجيل الجديد، وبهذا تصور أحوال كل الشابات الجزائريات الحائرات بين الانتماءات العاطفية .
ركزت الكاتبة على تصوير الشخصية المحورية »يوسف » مكتملة الجمال و بإجماع من طرف كل الشخصيات ،و هي عملية تهدف أساسا إلى استمالة القارئ لصف البطل وإعطاء تبرير للويزا التي أعجبت به واحبته .
ومن هنا نستنح أن المجال غير متكافئ بين » لويزا » و »يوسف » قد استغلته المؤلفة لتكوين تلك الفجوة وتعميقها بينهما من أجل تعقيد الأمور ، فيزداد القارئ شوقا لمعرفة تطورها ، وهو سبب إختيار الكاتبة للنهاية المفتوحة التي تتجلى بمحاولة اغتيال الروائي « يوسف عبد الجليل » لأن المصحف الكريم الذي كان معدا كهدية للويزا ينقذه بعد أن استقرت الرصاصة فيه .
وإذا انتقلنا الى البنية الزمانية نجد الكاتبة قد وظفتها بطريقة جمالية وذلك من خلال كسر الزمن الخطي لغرض فني وهذا ينسجم مع نفسية الإنسان .
كما ارتبط المكان هو أيضا بالحالة النفسية للشخصية بحيث أصبح رمزا للحرية أو القيد ووسيلة لتحقيق الذات والطموحات والحريات فرغبة لويزا تتجسد في السفر الى المدينة الذي هو الموضوع القيمي الذي تود تحقيقه ، ولم يكن ارتداء الحجاب سوى العنصر المساعد الذي تستعين به « لويزا » لإنجاز هدفها ،فالانتقال الى المدينة ومن ثمة الى الجامعة كان مرهونا بارتدائه ،وفعلا يتحقق فعل الانتقال فتجد البطلة نفسها ضمن بيئة اجتماعية متحضرة حيث تحقق ذاتها وحريتها رغم معارضة رجال العائلة.
وقد استطاع المكان أن يأخذ معاني منسجمة مع الموضوع ،قسنطينة لم تعد هي قسنطينة الجغرافيا أو قسنطينة بوجودها الموضوعي ،ولكنها صارت قسنطينة أخرى هي قسنطينة » لويزا » بطلة الرواية ،قسنطينة الشخصيات الأخرى التي تزخر بها رواية « مزاج مراهقة » أي صارت عالما فنيا .
وفي الأخير يمكن القول أن الكاتبة اختارت الشخصيات بدقة كبيرة بحيث تعبر عن قيم وعقليات وأجواء ،وتقاليد بعض المدن وتنسجم مع عالم الرواية الذي يتراوح بين الخيال والواقع ،وكل ذلك في تناسق كلي مع جماليات الزمن والمكان
حبوش ربيعة