اختتم مؤتمر قصيدة النثر المصرية الأول أعماله منذ أيام قليلة بالقاهرة، حيث عقد على مدار ثلاثة أيام بأتيلييه القاهرة بمشاركة حوالي ستين شاعرا و ناقدا، في الفترة بين الحادي والعشرين والثالث والعشرين من ديسمبر الجاري.
أقيمت خلال أيام المؤتمر ست أمسيات شعرية، بواقع أمسيتين يوميا، وثلاث جلسات بحثية، بواقع جلسة بحثية واحدة في اليوم، من ضمن الشعراء الذين شاركوا بقراءة قصائدهم: إبراهيم داود، كريم عبد السلام، محمد المزروعي، عماد غزالي، عاطف عبد العزيز، أشرف يوسف، شريف الشافعي، منتصر عبد الموجود، أحمد شافعي، محمود شرف، فاطمة ناعوت، عزمي عبد الوهاب، ومحمود خير الله.
وقد شارك الباحث أحمد حسن ببحث بعنوان: جدل الرؤى والأساليب في قصيدة النثر المصرية، كما تحدث الباحث الدكتور محمد السيد إسماعيل حول جماليات المكان في قصيدة النثر المصرية، وتناول الباحث عمر شهريار موضوع: القصيدة الإسفنجة- قصيدة النثر وشعرية الامتصاص
قصيدة النثر المصرية!
من ضمن إشكاليات جدلية متعددة أثيرت حول انعقاد هذا المؤتمر، كان اختيار عنوان المؤتمر نفسه واحدا من هذه الإشكاليات، فقد تحدث البعض عن مفهوم قصيدة النثر (المصرية) وماذا يعني، وطرح الشاعر والمترجم أحمد شافعي تساؤلا حول مدى صحة هذه التسمية، فهل هناك قصيدة نثر مصرية وأخرى لبنانية، وثالثة مغربية مثلا؟ وبتفسيرات هشة كانت الإجابة من القائمين على تنظيم المؤتمر، الشاعر عادل جلال، المنسق العام للمؤتمر، أجاب بأن المؤتمر يقام بالجهود الذاتية، بعيدا عن دائرة السلطة الثقافية في مصر؛ ما دفع لاختيار العنوان، حيث لا يستطيع المؤتمر استضافة شعراء من أماكن أخرى، التفسير هنا أوضح أن الصفة تلحق بالمؤتمر، وليس بنوعية القصيدة نفسها!
كان المؤتمر قد أقيم بالجهود الذاتية، حيث أسهم الشعراء المشاركون أنفسهم بمبلغ مالي من كلٍّ على حدة لتغطية النفقات، ومنها طباعة الأنطولوجيا التي ضمت قصائد لخمسة وعشرين شاعرا من بين المشاركين
آليات!
نظرا لضخامة عدد الشعراء الذين يتعاطون هذا اللون الشعري، فقد قام المنسق العام « عادل جلال » بتقسيم الشعراء على دورات المؤتمر المتعاقبة، حيث بدأ هذا العام بخمسة و عشرين شاعرا، واختار أن يضم إليهم خمسة وعشرين آخرين، وهم الذين ستضمهم قائمة المدعوين في دورة العام القادم من المؤتمر، وحظى هؤلاء بالمشاركة في الدورة الأولى بقراءة قصائدهم في الأمسية الأولى يوميا، وهو تقليد أعجب كثيرين، حيث يسمح بمزيد من التواصل بين عدد أكبر من الشعراء.
مما أثار اللغط بين المشاركين هو آلية اختيار الشعراء المشاركين نفسها؛ حيث لا توجد قواعد محددة سلفا يُدعى الشعراء من خلالها، سوى الذائقة الخاصة بالمنظمين أنفسهم، لكن الشيء الوحيد الواضح في هذه القواعد هو استبعاد الشعراء من خارج جيلَيْ الثمانينات والتسعينات، مع اختيار بعض الشعراء الشباب الأصغر سنا، ومنهم هرمس مجدي وجورج ضرغام.
وفي الافتتاح أُعلن أن الدورة القادمة قد تشهد تحول المؤتمر إلى ملتقى دولي يشارك فيه عدد من الشعراء من إيطاليا والمغرب وبريطانيا وفرنسا.
قضايا
في مقدمة الأنطولوجيا التي طبعها المؤتمر للشعراء المشاركين كتبت اللجنة المنظمة، التي تضم إلى جوار المنسق العام؛ أسامة الحداد، محمد علي، عادل سميح، ومنتصر عبد الموجود: « مؤتمر قصيدة النثر المصرية في دورته الأولى قام على فكرة تبدو بسيطة للغاية، مفادها هو الرهان على الأثر الخلاق الذي يحدثه التلاقح بين التجارب المختلفة ». وهو هنا، انطلاقا من هذا الفهم لهدف المؤتمر، يضع إصبعه على أبرز المزايا التي يسفر عنها انعقاد مثل هذه المؤتمرات في عالمنا العربي بأسره؛ وهو الالتقاء بين المشاركين، وخلق حالة من الحراك والجدل حول القضايا الهامة، لكن الشكل التقليدي هذا لم يعد كافيا كسقف منخفض جدا للطموح، فغياب طرح الأسئلة الكبرى حول ماهية قصيدة النثر، وجذورها، وآليات كتابتها، يُفقر المشهد بشكل عبثي، ويبقي الوضع على ما هو عليه: استنبات آليات نقدية غربية في تربة هذا الشكل الشعري العربي، ليصنع بهذا الفعل فجوات تظل تتسع بين المتلقي، والشاعر، وكأنها صارت من المسلّمات أن يقال إن القصيدة النثرية طبقية، أو –في أفضل التوصيفات- هي قصيدة نخبوية، تُعنى بقضاياها الذاتية.
المؤتمر لم يكن مهتما منذ البداية بطرح مثل هذه الأسئلة؛ فقد اكتفى بجلساته البحثية الثلاثة، وتمحورت تلك الجلسات حول دراسات تطبيقية على أنماط ونماذج من النصوص التي يكتبها شعراء مصريون، دون الذهاب لأبعد من هذا؛ سعيا نحو تأسيس تنظير، أو حتى نحو البحث في جذور هذا النص في الثقافة العربية، أو إيجاد منصات إنقاذ للربط بين الذائقة الجمعية وبين جماعة الشعراء.
الثابت في الأمر أن المؤتمر لم يكن معنيا بمثل هذه القضايا، فلأسباب متعلقة بالتمويل، إضافة إلى انصراف اللجنة المنظمة عن معالجة مثل هذه القضية؛ كان اختيار قاعة الأتيلييه المكشوفة نفسه دليلا على النخبوية، الأتيلييه مكان لا يرتاده سوى المثقفين والكتاب والفنانين، فكانت النتيجة أن الجمهور تشكل من الشعراء المشاركين أنفسهم، وبعض ذويهم في أحيان قليلة!
نماذج!
وهذه نماذج من قصائد بعض الشعراء المشاركين التي ألقوها في المؤتمر:
أحمد شافعي:
شافيينسكي قاتلا
أصارع فيلا الليلة.
والرهانات كلها معقودة على فوزه، وقياسات القوى في الصحافة تجمع أني أنا الذي سوف تذهب بي ركلته إلى الغابة، حيث لا تزال مؤخرات القردة العليا حمراء بأثر في الغالب من ركلات مماثلة. ليست القياسات والرهانات وحدها ضدي، ربما الأمنيات ضدي أيضا، بل المدينة كلها ضدي، وضد أرشيفها الذي يؤكد أن كل فيل جمعتني وإياه حلبةٌ كان يختفي بعد ركلي، من كل مدينة، أو غابة، أو ذاكرة. يُقال كان يضع ذيله على الفور في خرطومه، يُقال كان يأكل نفسه.
عزمي عبد الوهاب:
من « غلطة لاعب سيرك »
أريد أن أكون صفحة بيضاء، لا يكتب الآخرون عليها أكاذيبهم، فالسلام الذي بحثت عنه، لا أريد أن أضيعه هنا.
لذا
أنا أكره الكتابة
وأريد أن أذهب إلى الموت نظيفا
فقط أود أن يحمل الأصدقاء المقربون جثتي،
إلى قريتي التي ابتعدت،
ثم يقولون:
كان ريحا
لم تلوثها أنفاس البشر!
منتصر عبد الموجود
لقطة جانبية
….
المتشرد الذي يحمل في قبعته المثقوبة مدينة، يبتهج أطفالها كلما تمطر، ويعْزي موظفٌ حكومي ضيقه من البلل إلى كم إذعان لم يحتمله طائر كنار، كانت الجدة قد جلبته من جزيرة، أفلتت من النسيان بفضل لقطة جانبية للحفيد المراهق وهو يفكر: كم من المحزن ألا يلتفت أحد للمسة حانية، يخص بها المتشرد قبعته الرثة وقت اشتداد المطر…..
مصر ، تغطية : محمود شرف