فضيلة الفاروق : أحب عدوي و أتسلى بمغازلته و إدخاله في مهاترات تشبه المتاهة
فضيلة الفاروق حوار ف.ياسمينة بريهوم
حين تحدثها تشعر انّها تحمل كلّ قلبها في كلامها، لا حدود بين عوالمها والدنيا الفسيحة، تتقاسم اكتشافاتها ومعارفها فتتأكّد أنّها عارفة وواثقة حتى لتشكك بصراحتها كلّ اصحاب الإحتفاظ بقوالب وانماط لا داعي منها، إنها الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق، قلم متميّز منذ « مزاج مراهقة » و »تاء الخجل « و »اكتشاف الشهوة » و »أقاليم الخوف » تكتب لتكون ولكي تزيح الحجاب عن العالم المزيّف الذي يكبّل الإنسان بقيّم وضعها سابقون ليسهلوا حياتهم، وتمنحنا الفرصة لنصارح انواتنا بضرورة الحفاظ على ذلك؟ولتؤكد وجود الانثى المطموس من آلاف السنين بما يخططه الذكور في ولهذا العالم
التقيتها في هذا الحوار فكانت بسخائها وبهجتها وحزنها روحا جميلة من صفاء وعذوبة
فضيلة مشاكسة قوية أم مجروحة لتكتب بهذا الصخب؟
أنا تركيبة معقّدة يا صديقتي، أحيانا لا أعرف نفسي، أحيانا أشعر أني مقاتلة، و أحيانا مسالمة، أحيانا محبة، و أحيانا أخرى غاضبة حاقدة، أحب و أكره، أشاغب و أهادن، أفكر بقلبي و أحيانا بعقلي، و أحيانا أخرى بعقلي و قلبي معا، أنا صاخبة، و هادئة في الوقت نفسه، أفاجئ من يتمادى تجاهي بردات فعل غير متوقعة، أنا شرسة جدا و رقيقة جدا، عاشقة رومانسية ، و جندي متأهب دوما لإطلاق الرصاص على من يخونه أو يهاجمه… أنا مخيفة و مرعبة، و في الوقت نفسه أنا حنونة جدا حد البكاء، تنزل دمعتي عند الفرح
و عند الحزن، و أحيانا يجف الدمع فأشعر أني مجرد صخرة مجرّدة من العواطف… لعلي أستمد كل هذه المتناقضات من برجي العقرب، و طالعي العقرب أيضا، حادّة جدا بلا هوادة، و لينة مثل أزهار الربيع حين أريد…مشاكسة جبارة، أعشق التحدي، و أنسى تماما في لحظة الغضب خوفي، أتحوّل إلى متوحشة كاسرة، يصعب تدميري، لأني أحب عدوي و أتسلى بمغازلته و إدخاله في مهاترات تشبه المتاهة، فجأة قد أغفر له كل شيء لأنه دعمني من حيث لا يدري لأبقى واقفة. هذه أنا و هناك أشياء أخرى يصعب إختصارها…يلزمنا جلسة لأحكي لك صراعي مع رجال العائلة و مع كل أعدائي و محبيّ لتكتشفي صفات أخرى فيّ
من خلال قراءتي « أقاليم الخوف » أحببت أن أفهم سرّ هذه البربريّة التي عشقت الشعر والكتابة وتبعت كأجدادها همس الحكايا..فيم أخفقت؟ وماذا جمّعت من نار الأسئلة هناك في صلب المتن؟
النجاح نسبي في الحياة، فإخفاقاتنا تبدو كثيرة جدا أمام نجاحاتنا، لكنّنا مجتمع يعشق التّشفّي لهذا ترين الكتّاب و المثقفين يدّعون دوما أنّهم » أنبياء » و » قديسين » و يفتخرون بأنفسهم ب » أنا » ضخمة لا تناسب الطبيعة البشرية. أنا شخصيا أكره أن أفعل ذلك، أخفقت في أمور كثيرة فقد أخفقت في نيل شهادة الباكالوريا أول مرة، كما أخفقت في كليّة الطب، و أخفقت في إيجاد الإستقرار العاطفي، فشلت فشلا ذريعا لأكون زوجة شرقيّة مطيعة و خاضعة، فبعد أن أنجبت إبني وجدتني أقوم بدور الأب و الأم معا، و أتصرّف كرجل أحيانا، يستحيل أن أرضى بما ترضى به النساء من حياة فيها سيّد يأمر و ينهي فوق رأسي، و أكره أن يعطيني أحدهم نصيحة لأساير المجتمع، ففي رأسي دوما فكرة القيادة لا التبعية، أنا أيضا بدون عمل منذ سنوات، فقط لأني أرفض الشروط التي توضع لي، فأنا أكتب لأقول أفكاري أو أحتفظ بها لنفسي، ما يعكس مثلنا الجزائري » النّيف و الخسارة » …لست منزعجة، فحياتي فيها الكثير من القلق، و الهزّات و لكنها حياتي أنا بكل فخر، لا أقمع نفسي من أجل إرضاء أحد و هذا ما يهمني أولا. أما الأسئلة فهي كثيرة، فقد أردت مثلا أن أفهم ما الإختلاف بين المسلمين و باقي الطوائف التي صادفتها في لبنان، قرأت الإنجيل ( العهد القديم، و الجديد) انفتحت على الجميع، و قرأت الكثير من مراجع ديننا، و لكن للأسف ما اكتشفته يظل مكسبا شخصيا، لأني أعيش في أمة لا تقرأ و تحارب كل من يفتح أبواب قلبه و عقله للآخر…
أعتبر لبنان مدرسة فريدة لتعليم الإنسان روعة التعايش و تقبل الآخر. و أشكر الله على هذه التجربة التي عشتها بكل جوارحي و أفكاري
في هذه الرواية دائما هل نقدر أن نقول إنّ فضيلة تحررت من الإنتماء العرقي أو الثقافي نصرة للإنسان المتعدّد المختلف؟
أصبت هذا هو هدفي بالضبط. فطبيعة الإنسان واحدة، تركيبته واحدة، و عباداته واحدة، فلماذا نهتم بالتفاصيل بدل الإهتمام بالتعايش و إحترام الآخر و نبذ فكرة الإقصاء التي ليس أكثر من عمل إجرامي ينافي الأخلاق في العالم كله و حتى بين المجتمعات البدائيّة
لماذا يكتب الرجال من آلاف السنين منذ « الكماسوترا » وقبله في الرسوم وبقايا حياته عن الجنس دون أن يكون ذلك محطّ انشغال.لكن عندما تعبّر المرأة يسيل الحبر في اعتبار ذلك خروجا عن المألوف،وتحدٍ للدين، وخصوصا طلبا للشهرة؟
نعم من الغريب أنّ المرأة تدخل في متاهة الدفاع عن نفسها حين تتُّهم أنّها كاتبة جنس و أحيانا تنسحب من ميدان الأدب كله، ليلى بعلبكي غابت خمسين سنة بسبب محاكمة غبيّة اتّهمتها بأنّها تروّج للجنس في لبنان حيث العلاقات الجنسيّة بحلالها و حرامها مزدهرة بشكل غريب
لقد تحكّم الرجال في المرأة جنسيا لقرون حتى أنّها استغلّت في المعابد، استغلّها الكهنة، و رجال الدين،و أعتبرت غنيمة حرب لدى المسلمين في الفتوحات و كان المسلمون أئمة و أناسا عاديين و مسؤولين كلّهم يشترون نساء للمضاجعة،و ذكرت مراجعنا الدينيّة ذلك و مع هذا لم يعتبر الأمر شاذا، حتى بدأت المرأة تقول: لا لتكون شيئا، لتكون جارية، لتكون زوجة مطحونة تزرع فيها الأجنة و تستغل للإنجاب ..حين قالت لا و بدأت تتحدّث عن خياراتها و رغباتها و أنّها ليست غنيمة حرب، و ليست كائنا للمتعة و أنّ المتعة حق آخر لها يجب أن تسترجعه بدأت الأصوات تتعالى لقمعها. سأحكي لك نكتة مضحكة جدا،عن كاتبنا العظيم أمين الزاوي،فقد حضر مرة ندوة شاركتُ فيها مع كاتبات من العالم العربيّ في العاصمة تحت إشراف الأستاذة نفيسة الأحرش و جمعيتها فكتب في إحدى الجرائد معلقا أنّ المبدعات لم يخرجن من أدب الفراش، صراحة و رغم إحترامي لشخصه و أناقته و لباقته و نشاطه و حماسه و ذكائه فقد ضحكت كثيرا، فالرجل كلّ كتبه وصفات جنسيّة حارّة و مبهرة و هو شخصيا أهداني بعضها،فلماذا انزعج؟؟؟ أنا علقت بين الصديقات أنّه غضب لأنّنا تعدّينا على صلاحياته..!!! و معليش يسامحنا سي أمين و غيره من كتاب اليسار الذين يعتبرون التحرّر ميدانهم،و ليسامحنا ذوي التوجّه الإسلامي المتطرّف الذين يعتبرون الجنس و الحديث عنه ضربا من الخلاعة الأدبيّة التي نمارسها مع أنّهم ينجبون بكثرة يا صديقتي. ينجبون حتى تهترئ أجساد زوجاتهم… إنّنا حتما نعاني من قلة نضج..نحن شعوب لم تبلغ سن الفطام بعد و تتصرّف في حياتها اليوميّة بصدق و ثقة في النّفس
من مزاج مراهقة إلى أقاليم الخوف كيف تنظرين إلى هذه الرحلة من الحبر؟
أرى أنني أهدرت الكثير من الوقت للعائلة ، عائلتي الصغيرة و الكبيرة و الأصدقاء لهذا كان يجب أن أنتج أكثر، لست راضية أبدا على نتاجي القليل، و لكني إنسانة عاطفية و من أحبهم أمنحهم وقتا أكثر و إهتماما يسرق وقت الكتابة. ما أتمناه هو أن يتفهم من حولي أن كاتبة و أن يمنحوني وقتا لأكتب، فمحبتهم لي تسعدني لكنها أيضا تقتلني في صمت…
أنا الشخص الذي يقف بين نارين… رحلتي لا شيء بين مزاج مراهقة و أقاليم الخوف مقارنة مع طموحي و أفكاري التي تملأ رأسي…. و حتى تجربتي الكتابية يبج أن تكون أكبر و أكثر ثراء لأني أملك الإرادة و الطموح و الموهبة و المتاع الكتابي، لكني لا أجد وقتا للكتابة
قلتِ في أحد حواراتك: الكتابة خلاصي وحدها لم تخذلني كما فعل الرجل، ماذا تخسر المرأة الكاتبة أو الفنانة التي ترمي خيوط عنكبوت المجتمع؟
منحتني الكتابة هيكلا محترما، فتحت لي أبوابا ما كانت لتفتح بدونها، سافرت و تعرفت على بلدان عربية و أجنبية بسبب الكتابة، دخلت عالم النخبة العربية ، و أشعر دوما أني في مقدمة المجتمع و لست تابعة لأحد، غير ذلك منحتني الكتابة أروع أصدقائي، و كونت لي . شبكة جميلة من العلاقات. نأتي الآن للخسارات : مجتمعنا يحب أن ينصب نفسه رقيبا على المرأة، فيما الكتابة تحتاج لفضاء حر لتحقق للكاتب ما يريد ..البعض يحب أن يملي عليك ما يجب أن تكتبيه، البعض الآخر يحب أن تكتبي عنه، البعض الآخر يقيم أبطالك أخلاقيا، و يتهمك أنك تروجين للرذيلة، البعض أسوأ من ذلك يتهمك أنك تعادي الإسلام و أنك ملحد ليغلق فمك
الكتابة مثلما تصنع نجاحا للشخص فهي تصنع له أعداء و أحيانا أقرب الناس إليه يتحولون إلى أسوأ الأعداء…لهذا من القليل أن تجدي كاتبة حافظت على زواجها مثلا..أو على علاقة طيبة ، بالنسبة لي لقد تعامل معي الرجل دوما على أني عدوته أو أني أخذت مكانه، أو أني صيد يسهل استغلاله و في كل هذه الحالات خيب أملي لأني شرسة في تعاملي مع شخص لا يرى رأسي و لا يتعامل معي الند للند مع صديقاتها أو زملاء المهنة… لهذا حين أكتب أشعر أني حققت ذاتي …و لن أخفي عليك أني حين أكتب أكتب لقارئ أعتبره صديقي سواء كان رجلا أو إمرأة …و هذا يجعل السلام يحل في داخلي
حاورتها : ف.ياسمينة بريهوم