كتابُ الرّماد : قصيدة جديدة للشاعر الجزائري ميلود خيزار
احتاجُ أسئلةً بحَجم أسايَ (عَلّيَ ادفِنُ المعنَى) كما تَحتاجُ أغنيةٌ لصوتٍ مّا…له اثرُ النّبيذِ لكي تبوحَ…و ربّما احتاجُ حُزني كُلَّه…لأُضيءَ بيتًا مُعتِمًا كالرّوح …مفتاحان يختصمان في صدا الكلام هما » لعلّ » و « كيف » … هل يدري الضّريرُ تناغمَ الألوان في عينيكِ…يا حِبّي ؟… تفشّى في قصائدنا الرّمادُ.
( الفجرُ…
خنجرُ ضوءٍ في خاصرة العتمةْ
جُرحٌ ينزفُ من رئة البارحة المجروحة عند سريرِ الذّاكرة الأزلي.
فاتنةٌ طالعةٌ من لُججِ الزُّرْقةِ
أغنيةٌ تَستحمّ في صوتٍ ضَريرْ
صبيٌّ يلهو في حُجر الأبديّةِ
كمنجةٌ ذهبيّةٌ تُناوشُ القَمحَ على كتفَ الرّابيةْ
كلامُ الفضّةِ في شِفاه التّلالْ.
الفجرُ…
أنقى و أقدمُ الأطفالْ).
أحتاجُ صمتي كي أموتَ بسُمّ أسئلتي… و موتي عند بئر فجيعتي…احتاجُ اسمي لابسًا نارَ النّداءِ… فقد يجيءُ البردُ جوعانا كذئبِ « متى »…و قد أغفو على حَجَرٍ بمعنى النصّ…قد أجدُ النّهارَ على مخدّة ليلةٍ مهجورة…نَسيتْ حكايتَها…فكانتْ شهرزادُ.
( الضّوءُ…
صَبيّةٌ..تتسلّقُ …بذراعين حريريّتيّنِ
شجرةَ الصّباحْ.
مفتاحٌ فضيٌّ لباب النّهار.
فكرةٌ…تتدفّقُ في صمتٍ
من أعالي الغيابْ.
فكرةٌ…
ظلّتْ تَهمسُ : أراهما يمشيان سويّا
مَهْمَهُ الشكِّ…و بيتُ اليقينْ) .
ادعوكَ…قُمْ يا ليلُ نَسهرُ…سوف اخلع بُردةَ النّجوى عليكَ…أقول : « وا…حِبّي… » فاكتشف الرّبيعَ ينام بين سريرتيْن… و ربّما سيقالُ لي إنّ الحقيقة لا تُمارِسُ في فِراشٍ واحدٍ…نصفان نحن … لغائبٍ أبدا… تُؤجّرهُ النّصوصُ لكي يطيلَ الرّقصُ غَيبتَه…متى يا سُكرُ تفضحُنا…فيبيضّ السّوادُ.
( من الشّجرة التي غَرسْتَ
سيُصنع تابوتُك.
هل سالتَ الماءَ…
مِن أيّ قلب حجريّ خَرجَ
سائلا…عنك ؟
أيّها العطشُ الأبديُّ…
إذا استوْحَشتَ
فحدّثْ بسرّكَ
إلى حَجرْ.
قلبي دلوُ ماءٍ
و العالمُ…حقلٌ عطشانْ.
احتاجُ موتي كي تُباركني مياهُ الأبجديّةِ…كي أرى جسدي يُسجّى في بياض النصّ…مثل رمادِ أغنيةٍ لمأدُبةِ الرّياح…مشارف ملعونةٌ تُفضي إلى الوطن المخيفِ…قميصُ زنبقة تحاول أن تُبرّئ ما تبقّى من نوايا النّوء … سُؤرةُ خمرةٍ روحيّة في ذبحة « السّيكاه »… توجعني حمامةُ قلبيَ المفطورِ…أوشِكُ أن امَسّكِ بالجنون … لَرُبّما تشفى الأنوثةُ من عُصاب المرأةِ-المِرآةِ…يُوجعُني حديثُ الأعمييْنِ عن الصّداقةِ…آه لو أشفيكِ منّي… من هتاف الحبّ…من مرض السّعادة…كلما اسْتشرى وباءُ الحُلم في عيني… و ضاق به الوسادُ.
قالت لي مَن أودعْتُها راسي:
» إنْ كنتَ حقّا تُحبُّني
فجِئني برأس السّنة
على طبقٍ…منك « .
و قالت : » لا تكون هجرةٌ إلّا إليّ
و لا اخضرَ و لا يابسَ
إلا بقدر رضايْ « .
و قالت: » يا ناري…
أنا جَنّتك » .
و قالت : » لا تَمُتْ كثيرا
كمقبضِ بابٍ لا يَشعُرُ
اهُو للجنّة أم
… للجحيمْ.
و قالت : « هل أدلّك إلى معبدِ النّارِ ؟
اذهبْ و احتطبْ لقلبكَ
فربّما طال شتاءُ الوجودْ ».
مَن أنتِ؟ لغمُ الصّمت في حقل الكلامِ…قصيدةٌ وحشيّة…موتٌ بمعنى العِشق… أسئلةُ البداية…نجمةٌ في بيتها العالي ينام الّليلُ…أنْسنةُ الطّبيعة…آنتِ…روح الله في أيقونة الأسماء…أورادُ الصّبيحة عند نافذتي … تفاصيلُ الحقيقةِ في كتاب العشب… معجزةُ تُسمَّى جنة النّسيان…أوشِكُ أن أسمّيَ كلّ هذا الموت حبّا…أنت فاكهةُ تنوء بها غصونُ البرق …هل كنّا معا حين افترقنا أم تُرى بلّورُنا المكسورُ في أعماقنا هو من أضاء متاهةَ المخيال ؟… » تؤلمني خُطايَ » و كلُّ هذا السّعيِ بين حمامتيكِ بقوتِ أنفاسي… و يؤلمني لهاثُ الرّيح في صحرائنا بغمامة الجدوى…و قد ضاق الخيالُ.
و كأنّ بيتَ الماء يَسألُ أخر الأطفال في مِرآة ذاكرتي…لماذا أنتَ…أنتَ الآن وحدكَ ؟ كنتُ وحدي دائما حتّى و كلُّ الآخرين معي…فوحدي جئتُ…وحدي كنتُ…وحدي متُّ…وحدي سوف أُبعَثُ في كتاب الماء …ابيضَ مثل زنبقةٍ …تُرى …ماذا جنيتُ من الحياة سوى صداعِ الوعي ؟…ماذا كنتُ أَعملُ غيرَ تشديد الحراسةِ في المساء على حدودِ قصيدةٍ لم تَكتملْ ؟ ماذا سأنقذ غير موتي…يا عجوزَ البحر؟ أَخرجُ من حكاياتي بهيكل مجدكَ الرّمزيِّ…حسْبي أنّني عانقتُ في سكري الجميل فداحةَ المعنى…شَحنتُ مراكبي بالرّيح…نِمتُ على سرير نشيد ماساتي…و قاومتُ العَراء بقُبلةٍ محمومةٍ …أَشعلتُ روحي كي أُضيءَ مسافةَ النّسيان…بِعتُ بيوتَ أجوبتي ليقتاتَ السّؤالُ.
شفّ الكلامُ و صوتُكِ الملكيُّ يَلبَسُني…تمادى الفجرُ في شفتيكِ إذ نادينني باسمي الغريبِ…مشيتُ مذهولا إليكِ…تشابهتْ فتشابكتْ طرقاتُنا الزّرقاءُ…سِرنا حافييْن على حقول بياضنا… رُحنا نفكّ رسائلَ الألغام… نصغي للأنين العذب…نلهث خلف رائحة النّداءِ…يداك ترتجفان بي…عيناكِ عصفوران يختصمان في معنى السّماءِ…حديثُ قنديليْن بالحمّى…حريرُ اللّذّة العمياءِ أغوانا…و نادتْنا التّلالُ.