عندي ما يبرّر بعض أسئلتي لميلود خيزار
و لانّ لي …
و لانّ لي بيتا على أَطرافِ ماساتي..أُريدكِ . نجمةً…تَتفقّدُ الطّرقَ القديمةَ في عُواء الرّيح. مصباحا…يَسيلُ كلامُه الذّهبيُّ في صمتٍ على عَطشِي الضّريرِ… نداءَ أغنيةٍ..أنامُ بحُضنها نومَ الحقيقة في سرير الغيب…كَم سنموتُ كي نَنسى ؟ و كَم سنُرافقُ الموتى إلى أنقاضنا ؟ هيّا اسبِقيني…و اسبِقي نَهري إلى الغاباتِ…ثمّةَ حفلةٌ وحشيّةٌ سيُقيمها العَبثيُّ…ثمّةَ خمرةٌ ستفُكّ اسْرَ الرُّوح … موسيقى و رقْصٌ موجِعُ …هيّا اركُضي معصوبةَ العينيْن مِثل الدّمْع …لا تتلفّتي فيُصيبَكِ المِلحُ اللّعينُ…تَذكَّري صوْتي إذا خَلع الغمامُ قميصَه الصُّوفيَّ عند حديقةٍ منبوذةٍ…و تذكَّري ألمي إذا فَتحَ الصّباحُ نوافذَ الشّرقِ الحزين و نفَّضتْ صفصافةٌ فستانَها فصحَتْ عصافيرُ الأسى و علا النّشيدُ.
و لانّ لي حُلُمًا على أطراف فاجعتي…أُحدِّثُ نَجمتي …
ما بيننا مِلحُ الكلام…فُتاتُ أُمنيةٍ لكَسْرِ شتائنا الأبديِّ … خمرةُ حُزننا …حَجرٌ القصيدة في مياه الأبجديّة… كيف يُقنعُني تراشُقُ وردتيْن بعطركِ السِّريّ… أنِّي الآن وحْدي ؟ كيف يَشرحُ لي تغامزُ نجمتيْن لئيمتيْن…تجدُّدَ الأنهارِ في عينيكِ يا… مِمّا خطيئاتي سَكنتُكِ أعْزلا إلّا من النّسيان و الرّؤيا … و ما تَعنِي « أُريدُ ».
و لانّ لي بئرا هناك …و لي وصايا الماء في مِرآتها …سأفاوِضُ الصّحراءَ… يا تِيهَ القوافل …يا كلامَ الضّوء في الشبّابة العَمياء …يا كذِبَ القميصِ… و يا اختلافَ الإخوةِ الأعداءِ في حَظّي من الرّؤيا …سأُدفَنُ مرّتين لكيْ يتوبَ اليأسُ عن فِعل السّراب …و كي يتوبَ النّايُ عن كَسْر الجِرار على الطّريق… فربّما شُفِيَ النّبيذُ و حاَلَ وجهُ النصّ بين قراءتين…و ربّما ابْيضَّ الحنينُ فصار يَقرأُ ما تَقول الرّيحُ أو يَنسَى البريدُ .
و لانّ لي حُبّا سأحلُمُ عند نافذةٍ تُراوِدها ذراعُ الرّيح… أَعرِفُ انّه لا بدّ من حُلمٍ لنَفلِتَ من صُداع وجودنا العَبثيّ… أَعرفُ انّه لا بدّ من حَجرٍ لكي تتكلّم الأنهارُ … أَعرفُ انّه لا بدّ للنّاي الجريح من المَبيت بحُجْرِ راعيةٍ ليَشفَى …انّه لا بدّ من أسطورةٍ كُبرى لإنقاذ الطّبيعةِ من صَغار « الأبيض الذّكريّ »… أعرفُ أنّني أَهذي من الحُمىّ … سأَسألُ نجمتي عن سِرّ نافذةٍ تئنُّ و قد تمادَى الليلُ …هل في الحُبّ ما يَكفي ليغتسِلَ الوجودُ ؟
سأقول ما نَسيَ المساءُ على سرير كمنجةٍ…مذبوحةٍ…ما نجمةٌ همَستْ به لنُعاسِ نافذةٍ موارَبةٍ… طَوالَ اللّيلِ…
« ما أنقى الحجارةَ و هْي تَهجُرُ بيتها ليصيرَ بئرًا …و هْيَ تَحضُنُ بعضَها لتَصيرَ بيتا…و هْيَ تَصقُلُ كفَّها لتصيرَ مِرآةً لوَجهِ الرّوحِ … ما أشْقى نبيذَ الفَجر…يَمشِي حافيًا في حقل عينيكِ الملغَّمَتيْن بالأحلام …ماذا يُحسِنُ العُميانُ غيرَ اللّمسِ بالكلماتِ ؟ ماذا يُحسِنُ الشّعراءُ غيرَ الموتِ بين قصيدتيْن كجنَّتيْ عينيكِ؟ حَسْبي ما اقترفتُ من اليقينِ… »
أقولُ… » بيتي خُطوتي…تتزوّجُ الأنهارُ فيه فتَحْبُلُ الغاباتُ… كيف سَقطتُ قُربكَ أيّها الورديُّ ؟ كيف أَفيقُ منكَ…و لم أَعُدْ مَرعًى مسائيًّا لقُطعانِ النّجومِ…و لم تعُدْ تَتوسّدُ الأصداءَ ذاكرتي …أفكِّرُ في الخروجِ… لَرُبّما صادفْتُ عاصفةً فغادرتُ السّفينةَ…ربّما صادقتُ غيمتَها فضمّتني و طار بنا بساطُ الرّيح من مَنفَى إلى مَنفَى…و قد نَنسى فنولَدَ مَرّةً أُخرى… هنالك فرصةٌ ما…ربّما حَدسٌ غريزيٌّ … هنالك خِدعةُ التّاريخِ…شيءٌ ما سيجعلُنا نُفكّرُ في البُذورِ و في انتظار الغيمةِ الأُولَى …و في الرّيح الصّديقةِ…في الحياةِ …بكلّ ما تَهَبُ الحياةُ…
هنا سيرقُصُ ماءُ ضِحكتنا…غدا..وهنا سيُفْشِي الياسمينُ بياضَه العالي…لسيّدتي ..هنا سيُطيلُ مِسكُ اللّيلِ غفوتَه على فستانكِ المنذورِ للحُمّى…سيختلِف البنفسجُ و البنفسجُ في قراءة نَصّنا اللّيليِّ…ثَمّةَ نارُ موسيقى تَعُدُّ عَشاءَ رُوحيْنا…سنأكُلُ جوعَنا إنْ لم نَجدْ و نقولُ شُكرا للبياضِ …لطلّةِ القمرِ المريضِ بسَقفِ حُجرتنا…سنَغسِلُ وردتيْنا في كلام الصّمتِ…من صمتِ الكلامِ…غدا…فعندي ما يُبرّرُ بعضَ أسئلتي …كمَوتِ صبيّةٍ قبْلَ الوصول إلى حديقةِ قلبها …كتعفّنِ اللّيمونِ في شجر الحياةِ…كهجرةِ التّاريخِ من حُجْرٍ إلى حَجَرٍ…و عندي ما يبرّر حبّيَ الوثنيَّ …ما يكفي لأكتُبَ… »هذه أسطورتي ».
ميلود خيزار _الجزائر