دكتوراه وأسماء : مخلوف عامر
حضرتْ في ذهني هذا المساء، شهادة الدكتوراه وحضرتني أسماء، فكانت هذه المناجاة:
من أين لي؟ أن أحمل هذه الشهادة و »الحبيب السائح » صديقي وحبيبي يروِّض اللغة العربية ويبدع أجواء من عوالم التخييل، ويسمِّي الأشياء بأسماء تغيب عني.
من أين لي؟ أن أفخر بهذه الشهادة، ولي صديق حميم يُدعي » قلولي بن ساعد » يتابع الحركة الأدبية في الجزائر أكثر مني ويحدثني –فوق ذلك- عن مؤلفات لم أقرأْها.
من أين لي؟ أن أدَّعي أني أحمل شهادة عليا، ولي أصدقاء تحملوا المشاق من أجل أن يعانقوا أحدث النظريات النقدية المعاصرة( السعيد بوطاجين ورشيد بن مالك وأمينة بلعلى وحسين خمري وعبد الحميد بورايو ونادية بوشفرة وأحمد خياط الذي يبخل عليْنا بما لديْه من كنوز.
من أين لي؟ أن أدَّعي أكثر وأنا أسمع « بلقاسم الشايب » يتحدث عن ترجمات الخيام المتعددة، وتأتيه الفكرة –بوماُ- لينقلها إلى شعر شعبي جزائري.
من أين لي؟ أن أتحدث في الاقتصاد بأعلى مستوى وأن أقول شعراً بعربية راقية كما يقوله « عاشور فني » أو شعراً يقوله »بوزيد حرز الله و »إبراهيم صديقي »و »عبد الرزاق بوكبة » ومصطفى الغماري » غيرهم…
من أين لي أن أتمتع بشعر « محمد عابد » أو »إدريس علوش » من غير أن أفكر فيما يحملانه من شهادة؟
كيف لم أتفطَّن إلى أن أكتب قصة قصيرة جداً جداً، بذكاء « عبد الكريم ينينة »؟
من أين لي؟ أن أستمتع بقراءة التفكك وتلك المحبة وصهيل الجسد وذاكرة الجسد وموسم صيْد الزنجور وسيرة الأخضر حمروش وأعوذ بالله ووصية المعتوه والإمام وعين الفرس والجازية والدراويش ومائة عام من العزلة والحمامة المطوقة وغيرها…
معذرة يا أحبابي، على ما لديَّ من فوضى الشعور أو اللاشعور.كل ما أرجوه منكم أن تجرِّدوني من هذه الشهادة التي أشعر بأني لست أهلاً لها.
لأني –أبداُ- لا أدَّعي أني أحمل ما كان يحمله »أبو العيد دودو »، فيا ليْتني كنت شامة في جسد، في بطن، في فخذ، في ركبة في ساق، في رجل في أصبع، يا ليْبني كنتُ أصغر شامة في أصغر أصابع »دودو ».
من أين لي؟ متعة مماثلة من غير أن أفكر في الشهادة التي يحملها كاتب النص؟
كيف لا أخجل من نفسي، أن أحمل هذه الشهادة، وأنا لا أحسن أكثر من ثلاث لغات في القرن الواحد والعشرين؟!
ولكني لم أعد أفكر في الشهادة ، بقدر ما صرتُ أفكر في أولئك الذين تحملهم شهادات ولا يحملونها. لأنها مسألة-بالنسبة لي- ترتبط بمصير وطن.
يبدو لي أني أشبه بذلكم المهندس الذي كان يدرس في أمريكا مختصّاً في الأحوال الجوية، عاد ذات يوم ليزور أسرته في البلد، وحين جلس إلى أبيه في العراء قال له الوالد بعد فترة:(( ينبغي أن ننصرف حالا لأني أرى بُقَعاً من الغيوم ً ستمطر بردً مُهْلكاً)). وبعدما دخلا البيت أدرك المهندس بأنه نجا فعلا من قساوة البرَد « التبروري »وكان ما توقَّعه والدُه صحيحاً، فسأل أباه : ((كيف عرفت هذا يا والدي))؟ قال له الأب: ((ألم تلاحظ أننا رأينا البرق؟ قال :نعم؟ قال: »ألم تلاحظ أن البقرة حرَّكت ذيْلها؟))
حينها،قال الولد المهندس لأبيه: ((يا أبي، دراستي في أمريكا ضاعت كلها في ذيْل بقرة)).
بقلم : مخلوف عامر